السلام عليكم ورحمة الله
أهنيك أستاذي أبو نادر فقد أسعدتني فعلا بتساؤلاتك وطرحك الدال على عمق في الإحساس بهموم التربية الفنية ومعاناتها، ولن يكون هذا الإحساس وليد الصدفة ولكنه لمعلم مارس رسالته بأمانة وإخلاص فتجلت له خبايا ودهاليز مشكلات المادة وسلبيات الممارسات المختلفة.
أكرر لكي شكري مرة أخرى و يهمني كل ماكتبته من تساؤلات وأرحب بها لأن دورها كبير في توضيح مقاصد وغايات المنهج الجديد للتربية الفنية... ودون أن أطيل:
أستاذي الفاضل: أؤكد لك أني كنت أتكلم بصورة عامة ولم أقصدك شخصيا بالتشاؤم فكما تعرف أنا لم أعرف أبو نادر إلا من خلال هذا المنبر، وربما يكون ماجعل مثل هذا يصدر مني أني بدأت ألحظ البعض هنا وهناك يحاول التشكيك دون التثبيت، وبصورة مؤسفة للأسف، رغم أن مايجري في مشروع تطوير منهج التربية الفنية لم يكن يحاك في السراديب وبعيدا عن أعين المهتمين، بل على العكس أقمنا محاضرات وورش عمل ودورات تدريبية و ظهر البعض في مقابلات تلفزيونية لمحاولة التمهيد للوليد الجديد وتوضيح أفكاره و همومه، ولم تكن تتوقف زيارات المشرفين والمعلمين ناهيك عن الغيورين على مصلحة المادة، فزياراتهم للمشروع تقابل بالترحيب والحفاوة دائما، وهم لو لم أبالغ من مناطق متعددة من المملكة جاءوا بدافع الغيرة على المادة وللإطمئنان على مسقبلها الذي كان مجهولا عليهم. فلا تؤاخذني أخي أبو نادر لو لم أحسن التعبير.
أستاذي القدير: بالنسبة للدوافع الحقيقية لطرح المنهج الجديد الذي سألت أنت عنه: فدعني أتحدث في البداية بالعموم ولكل المواد، فأي مادة كانت عندما نصل إلى قرار تغيير منهجها، فهناك الكثير من الدوافع، وقد تكون دوافع داخلية كمشكلات في المنهج الحالي (لايتناسب مع العمر الزمني للطلاب، أو الكم المعرفي غير مناسب، أو لايتماشى مع متطلبات سوق العمل، لا يناسب البئية التعليمية، لايلبي حاجات الطلاب والطالبات..... وغير ذلك كثير)، وقد تكون الدوافع خارجية كأن يكون المنهج القديم لايواكب المتغيرات العالمية، أو لايتماشى مع النظريات والعلوم الحديثة... وهكذا.
أعود لمادة التربية الفنية ومنهجها القديم (هذا لو كان يسمى منهجاً حقيقياً) فكما تعرف أستاذي أن المنهج الذي نسير عليه بالنسبة للبنين هو عدة وريقات صدرت قبل سنين طوال وبقيت عند الكثير في طي النسيان حتى أنك لو سألت عنها لأجاب الكثيرون أنهم لم يروا هذا المنهج ولم يسمعوا عنه، وكما نعرف جميعا أنه بعد تكالب المشاكل والمعوقات المختلفة (ولايتسع المجال لذكرها هنا)برز على السطح التباين الكبير والإجتهاد المطلق في ممارسات مادة التربية الفنية وتحولت المادة إلى محطة الراحة التي يصبو إليها الكثير من المعلمين فهي لاتتطلب أكثر من كتابة عنوان للموضوع على السبورة (العيد) ثم إغلاق الباب ليبدأ الجميع بممارسة الرسم يتخللها هيصة وليصة متفرقات.
مخرجات التربية الفنية تدهورت لدرجة أن الطالب يصل للمرحلة الجامعية وهو لايعرف أبجديات التربية الفنية ولا أبالغ لو قلت لك أني سألت طلاب جامعة جدد (تخصصات أخرى) عن دائرة اللون فأجابوني أنهم لم يدرسوها من الإبتدائي وحتى تخرجهم من الجامعة، ثم أن الطالب في مدارسنا أصبح رهناً لمعلم التربية الفنية في مدرسته فلو كان مبدعاً وأفضل أن أطلق عليه نشيطاً مخلصا تتجدد أفكاره وممارساته وتطبيقاته من حين لآخر سنجد هذا الطالب محباً للمادة ومقدرا لمعلمه ومتميزا في فكره حتى على مستوى المواد الأخرى، لكن فكر معي لو كان هذا الطالب لأب فرض عليه عمله الإنتقال مثلا من جيزان لمكة المكرمة في وسط العام الدراسي، سيصدم هذا الطالب بمعلم يقفل الباب ويقول لهم أرسمة بطة ووزة على بحيرة تحت سماء زرقاء صافية وعلى بحيرة ماء عذب، هذه أم المشاكل عندنا في التربية الفنية أما أبوها فيتمثل في كم عدد المعلمين النشيطين أو المبدعين على حد تعبيرك وهل يستحق هذا العدد أن نضحي بكم هائل من محور العملية التعليمية ومخرجها (الطالب).... من ناحية أخرى فالدوافع الخارجية بالنسبة لتطوير منهج للتربية الفنية يأتي على رأسها وبدون منافس أن التربية الفنية علم كباقي العلوم الأخرى له أسس وفلسفات ونظريات وتطبيقات ووووو، وفي العالم تطور هذا العلم بالبحوث والدراسات، وأقيمت المؤتمرات والندوات لعرض آخر المستجدات لهذا العلم، فظهرت النظريات النظرية تلو الأخرى بدءا من التربية الفنية الصناعية ومرورا بالمدرسة الإبداعية ووصولا للمدرسة التنظيمية وانتهاء بالتربية الفنية الإنسانية، وهذه التطورات لم تكن حكرا لمجتمع دون آخر فيتم تجيب كل نظرية في مناطق شتى من العالم وكلما تم تجريب نظرية وظهرت بعض السلبيات انبرى علماء آخرون بنظرية جديدة لتلافي العيوب في النظرية القديمة إما أن تنجح وإما أن تخبو وتنطفئ، وكل هذا منذ الستينات الميلادية وحتى يومنا هذا، فأين نحن من كل هذا (مكانك سر) وبالتحديد مايسمى بالمدرسة الإبداعية.... لن أطيل أكثر لكن الدراسات الحديثة أوصت وعالميا بتبني فلسفات تلت المدرسة الإبداعية بعقود وقد اختارت وزارة التربية والتعليم ممثلة في اللجنة العلمية المكونة من خيرة المتخصصين في مناهج التربية الفنية في المملكة اختارت (المدرسة التنظيمية) كأحد أهم وأشهر الفلسفات والنظريات في تعليم التربية الفنية للتغير من أحوال المادة وضبط مخرجاتها وتثقيفهم تعليمهم بما يخدم المادة ويتكامل مع المواد الأخرى.
أعجبني أبو نادر ورغم أنك لم تتطلع على المنهج الجديد إلا أنك استطعت أن تقدر عدد الحصص وهذا مفرح بالنسبة لي، فالعشرين % قريبة من العدد الذي ذكرته وقد تكون تجاوزا 4 دروس أحياناً، وسأعود هنا لنتحاور في مسمى المبدع بالنسبة لمعلم التربية الفنية، فكم هي مجموع أو نسبة الدروس التي يبدعها كل عام؟ دعني أوضح أكثر فأنا معلم عملت في مدينة ساحلية وعملت في مدينة جبلية وهي مدينتان كبيرتان، كما أني عملت في قرية صغيرة ونائية، وخلال هذه الرحلة كنت حريصا على تبادل الزيارات مع الكثير من المعلمين وزيارة المعارض المتناثرة، ففي العام الأول كنت أصاب بالدهشة والإعجاب لما أراه من إبداع لكن بعد تكرار الزيارة السنوات التي تليها بدأ هذا الإبداع ينحصر بل وعند البعض ينكمش او يختفي وأصبحت المعرضات مكررة لسنوات مع العلم أن الزوار الجدد يسجلون على وجوههم نفس المشاعر التي رسمت على وجهي عند أول زيارة... لو كنت تتفق معي على ذلك فلابد أن نراجع مسمى الإبداع هنا... ورغم ذلك فدرس أو درسان في الفصل الدراسي نعتقد نحن في المشروع أهما مناسبان رغم يقيننا أننا سنجد من بين المعلمين والمعلمات من سيحتار ماذا سيعطي فيهما وتصبح عليه هما وعبئا لأنه يعرف أنها ليست مجرد حصة انتاج فني فقط بل لابد أن يشارك الطلاب بالنقد والتذوق الفني وعلم الجمال وتاريخ الفن.
أخيرا أستاذي القدير سألتني كيف سيتم ذلك وتقصد التغذية الراجعة لتجربة المنهج الجديد في المدارس المطبقة للمشروع وهل هو بالاستبيان؟ أجيب بلا... لن يكون فقط بالاستبيان ولاستبيان هو آخر محطات الرصد لأن الوزارة جندت فريقا يزور المدارس المجربة ويراقب ويلاحظ ويسجل كل الإنطباعات ويأخذ المقترحات أولا بأول ويعد التقارير من واقع الملاحظة والمتابعة والمقابلات التي يجريها مع المعلمين، هذا ماعلمت أنه حدث في زيارات الفريق للمدارس، أما الاستبيان فستوزع استبانات على المدارس توزع على: الإدارة، المعلمين والمشرفين على المنهج الجديد، الطلاب بمشاركة أوليء أمورهم.
وكما قلت لك مسبقا فتوقعي الشخصي أن أكبر تغذية راجعة ستكون من المعلمين لأنهم في نظري الخبراء الحقيقيون وهم من سيلمس القصور والإيجاب في هذا المنهج.
تحياتي لك أخي أبو نادر ولجميع الأعضاء
Bookmarks